سورة الحج - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
{هذان خَصْمَانِ اختصموا فِى رَبّهِمْ} تعيين لطرفي الخصام وتحرير لمحله فالمراد بهذان فريق المؤمنين وفريق الكفرة المنقسم إلى الفرق الخمس. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ومجاهد. وعطاء بن أبي رباح. والحسن. وعاصم. والكلبي ما يؤيد ذلك وبه يتعين كون الفصل السابق بين المؤمنين ومجموع من عطف عليهم، ولما كان كل خصم فريقًا يجمع طائفة جاء {اختصموا} بصيغة الجمع.
وقرأ ابن أبي عبلة {اختصما} مراعاة للفظ {هذان خَصْمَانِ} وهو تثنية خصم؛ وذكروا أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد المذكر وغيره، قال أبو البقاء: وأكثر الاستعمال توحيده فمن ثناه وجمعه حمله على الصفات والأسماء، وعن الكسائي أنه قرأ {خَصْمَانِ} بكسر الخاء، ومعنى اختصامهم في ربهم اختصامهم في شأنه عز شأنه، وقيل في دينه، وقيل في ذاته وصفاته والكل من شؤونه تعالى واعتقاد كل من الفريقين حقية ما هو عليه وبطلان ما عليه صاحبه وبناء أفواله وأفعاله عليه يكفي في تحقق خصومته للفريق الآخر ولا يتوقف عن التحاور.
وأخرج ابن جرير. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: تخاصمت المؤمنون واليهود فقالت اليهود: نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابًا ونبيًا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله تعالى آمنًا حمد صلى الله عليه وسلم وآمنا بنبيكم وا أنزل الله تعالى من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدًا فنزلت.
وأخرج جماعة عن قتادة نحو ذلك. واعترض بأن الخصام على هذا ليس في الله تعالى بل في أيهما أقرب منه عز شأنه، وأجيب بأنه يستلزم ذلك وهو كما ترى. وقيل عليه أيضًا: أن تخصيص اليهود خلاف مساق الكلام في هذا المقام. وفي الكشف قالوا: إن هذا لا ينافي ما روي عن ابن عباس من أن الآية ترجع إلى أهل الأديان الستة في التحقيق لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. وابن ماجه. والطبراني. وغيرهم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقسم قسمًا أن هذه الآية {هذان خَصْمَانِ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14] نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر هم حمزة بن عبد المطلب. وعبيدة بن الحرث. وعلي بن أبي طالب. وعتبة. وشيبة ابنا ربيعة. والوليد بن عتبة، وأنت تعلم أن هذا الاختصام ليس اختصامًا في الله تعالى بل منشؤه ذلك فتأمل ولا تغفل.
وأما ما قيل من أن المراد بهذين الخصمين الجنة والنار فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان أو ينتطح فيه كبشان، وفي الكلام كما قال غير واحد تقسيم وجمع وتفريق فالتقسيم {إِنَّ الذين ءامَنُواْ إلى قَوْلُهُ تَعَالَى والذين أَشْرَكُواْ} والجمع {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} إلى قوله تعالى: {هذان خَصْمَانِ اختصموا فِى رَبّهِمْ} [الحج: 17- 19] والتفريق في قوله سبحانه: {فالذين كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} إلخ أعد أعد لهم ذلك، وكأنه شبه أعداد النار المحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثتهم ففي الكلام استعارة تمثيلية تهكمية وليس هناك تقطيع ولا ثياب حقيقة، وكأن جمع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم وكون بعضها فوق بعض.
وجوز أن يكون ذلك لمقابلة الجمع بالجمع والأول أبلغ، وعبر بالماضي لأن الإعداد قد وقع فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما في {نُفِخَ فِى الصور} [الكهف: 99].
وأخرج جماعة عن سعيد بن جبير أن هذه الثياب من نحاس مذاب وليس شيء حمي في النار أشد حرارة منه فليست الثياب من نفس النار بل من شيء يشبهها وتكون هذه الثياب كسوة لهم وما أقبحها كسوة. ولذا قال وهب: يكسى أهل النار والعرى خير لهم. وقرأ الزعفراني في اختياره {قُطّعَتْ} بالتخفيف والتشديد أبلغ.
{يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ الحميم} أي الماء الحار الذي انتهت حرارته، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لو سقط من الحميم نقطة على جبال الدنيا لإذابتها، وفسره ابن جبير بالنحاس المذاب، والمشهور التفسير السابق، ولعله إنما جىء ن ليؤذن بشدة الوقوع؛ والجملة مستأنفة أو خبر ثان للموصول أو في موضع الحال المقدرة من ضمير {لَهُمْ}.


{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
{يُصْهَرُ بِهِ} أي يذاب {مَا فِى بُطُونِهِمْ} من الأمعاء والأحشاء.
وأخرج عبد بن حميد. والترمذي وصححه. وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد. وجماعة عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق إلى قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان».
وقرأ الحسن. وفرقة {يُصْهَرُ} بفتح الصاد وتشديد الهاء، والظاهر أن قوله تعالى: {والجلود} عطف على {مَا} وتأخيره عنه قيل إما لمراعاة الفواصل أو للإشعار بغاية شدة الحرارة بإيهام أن تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أن ملابستها على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر غني عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأن المقصود الأهم، وقيل التقدير ويحرق الجلود لأن الجلود لا تذاب وإنما تجتمع على النار وتنكمش، وفي البحر أن هذا من باب:
علفتها تبنًا وماءً باردًا ***
وقال بعضهم: لا حاجة إلى التزام ذلك فإن أحوال تلك النشأة أمر آخر، وقيل {يُصْهَرُ} عنى ينضج، وأنشد:
تصهره الشمس ولا ينهصر ***
وحينئذٍ لا كلام في نسبته إلى الجلود، والجملة حال من {الحميم} أو مستأنفة.


{وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
{وَلَهُمْ} أي للكفرة، وكون الضمير للزبانية بعيد، واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكمًا بهم، وقيل للأجل، والكلام على حذف مضاف أي لتعذيبهم، وقيل عنى على كما في قوله تعالى: {وَلَهُمُ اللعنة} [غافر: 52] أي وعليهم.
{مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي يكف بعنف. وفي مجمع البيان هي مدقة الرأس من قمعه قمعًا إذا ردعه، وفسرها الضحاك. وجماعة بالمطارق، وبعضهم بالسياط. وفي الحديث: «لو وضع مقمع منها في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض».

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10